web hit counter

د. دنيا شعير تكتب: متى تنتهي جائحة كورونا؟ (1)

أثار وباء كورونا كثيرا من الجدل، إضافة إلى العديد من التساؤلات مازالت تتردد حول هل الفيروس ناتج عن أسباب طبيعية أم أنه مصطنع؟، في الوقت الذي يسلط البعض الضوء على نظريات مؤامرة تتعلق بظهور الفيروس تؤدي لانتشار الرعب بين الناس، من دون أي منطق أو دليل علمي.
أما العلماء فيسابقون الزمن لإيجاد مصل أو علاج يقضي على الفيروس، ويردون على جهات مضللة تنشر معلومات خاطئة عبر الإنترنت، وأحيانا يستخدم البعض علمه في ليّ الحقائق العلمية لأسباب متعددة، لكن الأكيد أن العلم ثابت، والشعوب تتعاون ضد الخطر الذي يواجه الجميع، وأن الإنسانية في امتحان غير مسبوق يحتاج أن نراجع أنفسنا.
فمنذ بدأت جائحة كورونا فى الصين نهاية 2019، والإعلان عنها ثم دخولها إلى عدة دول ومنها مصر في مارس الماضي، يتبادر إلى ذهن الجميع السؤال الآتي: متى تنتهى جائحة كورونا وتعود الحياة إلى ما كانت عليه؟.
فى البداية لابد من توضيح ما هي الفيروسات؟ وكيف نشأت على كوكب الأرض؟ وكيف تهاجمنا؟ وهل يوجد ثمة تواصل بين الفيروسات وبعضها؟.
أولا الفيروسات كائنات غير حية، ولابد من فهم تركيبها فهي عبارة عن مادة وراثية (DNA or RNA, single or double stranded) وغلاف بروتيني، ويبلغ طول الفيروسات من 10-300 نانومتر، مع ملاحظة أنها لا تستطيع عمل أي شيء بمفردها، وتعتبر غير حية لأنها لا تنمو ولا يوجد أيض (تمثيل غذائي) ولا يوجد لديها استجابة للبيئة، وغير مكونة من خلايا، التكاثر معتمد على العائل.
ولكي تتكاثر الفيروسات تحتاج للماكينة الخاصة بخلية العائل (الإنسان أو أي كائن حي) ثم تحتشد الأعداد المنسوخة من الفيروس وتخرج من الخلية لكى تصيب خلايا أخرى.
أما عن أنواع الفيروسات فتصنف على حسب المادة الجينية أو الوراثية فهي DNA viruses وتنسخ نفسها داخل الخلية ثم تتركها مثل (الهربس، والالتهاب الكبدي ب، والجدري، والجديري المائي) RNA viruses وفي النهاية تدخل في المحتوى الجيني للعائل مثل (البرد والانفلونزا والايبولا وداء الكلب أو السعار والكوروناRetrovirus ( وتستخدم انزيم reverse transcriptase لكي تصنع DNA من RNA وربما تدخل في جينات العائل وربما تتكاثر وتترك الخلية) مثل فيروس الإيدز.
ما سبق من شرح لنعلم من أين جاءت هذه الفيروسات؟.. في الواقع يوجد ثلاثة فرضيات إما أن تكون الفيروسات هربت من خلايا العائل وذلك لأنها متشابهة في بعض الجينات الوراثية للعائل، الفرضية الثانية أنها كانت فى الأساس كائنات حية وفقدت كثيرا من أجهزتها وفقدت بعض الجينات وأصبحت أكثر بساطة وأصغر، والافتراض الثالث أنها كانت أكثر كائن بدائي وتطورت بالوقت.
وتأتي صعوبة القضاء على الفيروسات من كونها كائنات غير حية فلا يوجد شيء لكى تهاجمه فى الفيروس، خاصة إذا أصبحت جزءا من محتوانا الجيني.. ومن الطريف أنه يعتقد أن من 8- 50% من الجينات البشرية أساسها هى الفيروسات المعدية. أيضا لابد أن نأخذ حذرنا لأن بعض الفيروسات قد تؤدي إلى بعض أنواع السرطان. حين يقوم الفيروس باحضار الجين المسئول عن الورم (oncogene) الجين الذي يحول الخلية الطبيعية إلى خلية ورمية كجزء من المحتوى الجيني للخلية، وأمثلة هذه الفيروسات هى الالتهاب الكبدي ب الذي قد يسبب سرطان الكبد، وهربس سيمبلكس 2 الذي قد يسبب سرطان عنق الرحم.
لماذا تهاجمنا الفيروسات؟.. في الواقع الفيروسات لها القدرة على إصابة ومهاجمة كل الكائنات الحية على ظهر الكرة الأرضية ومنها الإنسان، وفي دراسة علمية عن مهاجمة بعض الفيروسات لخلايا بكتيرية سنة 2017 اكتشفوا أن الفيروسات تترك رسائل لفيروسات أخرى، ويتوقع العلماء وجود أنظمة اتصالات بين أنواع أخرى من الفيروسات، وإذا كان ذلك صحيحا، فسيكون لدينا طريق آخر لمهاجمة الفيروسات المدمرة من ضمنها فيروس الإيدز والهربس.
بدأ البحث عندما كان العلماء يبحثون عن الثرثرة البكتيريةbacterial chatter بين بكتيريا تدعى Bacillus subtilis والاسم العلمي لظاهرة الثرثرة (quorum sensing) نشبهها بإشارات اللاسلكي ويتم التواصل بين خلايا البكتيريا لكن بطريقة كيميائية للاتفاق فيما بينهم على مهاجمة الجسم، والجدير بالذكر أن الثوم من أقوى المواد التي تمنع هذا التواصل والإشارات الكيميائية بين البكتيريا وبالتالي عدم مهاجمة الجسم.
والفيروسات لها طريقتان في مهاجمة البكتيريا. في الغالب تدخل الخلية البكتيرية وتسيطر على أجهزتها والعمل لحساب تكاثر الفيروس حتى تنفجر الخلية البكتيرية وتموت.. وفى أحيان أخرى يقوم الفيروس بحقن الجينوم (المادة الوراثية) الخاصة به في البكتيريا وانتظار الظروف لكي تتكاثر الخلية البكتيرية.. فقد أخذ فيروس يسمى phi3T وإضافه لقارورة بها بكتيريا تسمى Bacillus subtilis، والمتوقع أن الفيروسات هاجمت وقتلت البكتيريا بأعداد كبيرة.
ولمعرفة ما إذا كان هناك أي إشارات كيميائية مستمرة في السائل، قام العالم بتصفية السائل من البكتيريا والفيروسات تماما، ثم أضاف على السائل المصفى (يحتوى على بروتيات الإشارات الكيميائية السابقة) بكتيريا Bacillus subtilis جديدة ثم فيروسات phi3T جديدة لمهاجمتها، فقام الفيروس هذه المرة بشيء آخر، فبدلا من قتل البكتيريا هذه المرة، دخل الفيروس كجزء من جينوم البكتيريا، وظل عند العالم لغزا لماذا غيرت الفيروسات استراتيجيها تلك المرة بدلا من الهجوم والقتل اندمجت فى جينوم البكتيريا.
بعد أكثر من عامين من البحث فى البروتينات (الإشارات الكيميائية) أفاد العالم في مجلة Nature أن فريقه وجد البروتين الذى تستخدمه الفيروسات للتواصل، وأطلق فريقه على هذا البروتين arbitrium وهو المصطلح اللاتينى للقرار decision.
ويعتقد العالم أنه عندما تزداد مستويات البروتين arbitrium المفرز من الفيروس، تتحول استراتيجيته من قتل خلية العائل إلى حقن الجينوم الخاص به، وأضاف أنه من المنطقى أنه عند مقاومة أو نفاد ونقص خلايا العائل، فالفيروس يحاول أن يقلل من تدميرها ويجلس هادئا وينتظر العائل أن يعيد تأسيس نسه وينمو، على الرغم من أن الفيروسات هي أكثر أشكال الحياة بدائية، فإنها تصيب وتؤذي الملايين من الناس كل عام.. وإمكانية الاستفادة من الاتصال الفيروسي أثارت حماس العديد من العلماء؛ لأنها تقدم طرقًا جديدة لبناء عقاقير يمكن أن تهزم الفيروسات.. للحديث بقية في المقال المقبل عن متى ينتهي وباء كورونا..

المصدر : صدي البلد